الإدارة من خلال قاعدة:"وتعاونوا.."!
إذا كانت علوم الإدارة تعد (فرق العمل) إحدى أهم وسائل نجاح العملية الإدارية، فإن هذه القاعدة قد أسسها الإسلام قبل أربعة عشر قرنا من الزمان..!
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يد الله مع الجماعة" – رواه الترمذي – وقد حرص الإسلام على التربية الجماعية في الأعمال كلها، وعلى أن يكون المسلمون يداً واحدة متحدين غير متفرقين قال تعالى: (واعتصموا بحل الله جميعاً ولا تفرقوا) - آل عمران:١٠٣- وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا مثالاً يوضح لنا صورة التعاون والاتحاد التي يجب أن يكون عليها المسلمون، وكيف يتعايشون معاً بروح "اليد الواحدة" فقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) - رواه مسلم -.
وتأمل - عزيزي القاريء - كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يتمثل المسلمون بروح الفريق الواحد المتعاون حتى في أمر السفر حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) - رواه البخاري - .
بل حتى الشعائر التعبدية تتحقق بشكل أفضل، ويحصل بها ثواب أكبر؛ عندما تؤدى جماعة، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، والحج يؤدى مع ركب من المؤمنين، وصيام رمضان مع مجموع المسلمين فرض، بينما نافلة الصيام تؤدى منفردة، وهكذا فالأمر مطرد في جميع الشئون الدينية، ويكفي في ذلك قول الله تبارك وتعالى:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" - المائدة:٢- .
وبسبب تربية النبي عليه الصلاة والسلام لصحبه الكرام رضوان الله عليهم على روح الاجتماع والتعاون أصبحوا فعلاً كالجسد الواحد، ونجح ذلك الجيل الفريد في أن يحقق أعظم إنجاز عرفته البشرية من إقامة دولة الإسلام، وإرساء دعائم الحضارة الإسلامية كل ذلك في زمن قياسي لا يعد في حساب الأمم شيئاً.
ولنا في مملكة الجراد عبرة!
فالأمر لا يقتصر على البشر فحسب، قال تعالى:" ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون " - الأنعام38- ولو تأملت – عزيزي القاريء - في "الجراد" ..هذه الحشرة البسيطة الضعيفة كيف تتحول إلى عملاق مرعب ضخم لا يستطيع أحد إيقافه؛ حينما تتحد مع غيرها من الجراد، ويسيرون معاً في سرب واحد بتناسق تام؟
انظر إلى ما أوردته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة حول الجراد في غضون هجوم الجراد الصحراوي عام 1988م، حيث تمكّنت الأسراب من عبور المحيط الأطلنطي بأسره انطلاقاً من موريتانيا إلى الإقليم الكاريبي، فقطعت بذلك مسافةً لا تقل عن 5000 كيلومتر في عشرة أيام.
علماً بأن الجرادة حشرة غير قادرة على السباحة؛ فكيف تمكّنت هذه الحشود الهائلة من قطع تلك المسافة الشاسعة عبر مياه المحيطات؟
وسرعان ما أسقط في يد الخبراء، حيث وجدوا أن الحشود كانت تهبط في المحيط على متن أيّ سفن في الطريق، وأيضاً فوق سطح الماء فما أن تغرق الأفراد الأولى من الجراد حتى تتحوّل إلى طوّافاتٍ عائمة للرفاق بحيث تستريح فوقها.
لقد استطاع الجراد أن ينتصر في معركته بفضل تعاون أفراده، واتحادهم التام، واستعداد أي فرد في السرب للتضحية بحياته لأجل الآخرين.
وحتى العلماء فقد تملكتهم بعض الحيرة؛ إذ تهبط أسراب الجراد الطائرة عادةً كل ليلة؛ للاستراحة من عناء السفر...!
فسبحان الله العظيم..! من الذي فطرها وعلمها أن تحيا وتعمل في جماعة متعاونة ؟
- المعنى الأكاديمي لـ"فريق العمل":
فريق العمل : هم مجموعة من الأفراد تعمل معا لتحقيق هدف مشترك. و كلما زاد الانسجام بين أعضاء الفريق و كلما زاد التفاهم كلما استطاعوا تحقيق أهدافهم بشكل جيد و بطريقة سريعة، سواء كان ذلك في مكان العمل أو في ملعب كرة القدم، أو حتى بين أفراد المجتمع أو في أي مؤسسة، من أجل قضية معينه. لابد أن يكون مبني علي تفاعل بنّاء حتى يمكن أن تسفر عنه نتائج مذهلة!.
لماذا (العمل في فريق) هو الأفضل؟
وحتى ينجح الفريق لابد أن تكون أهدافه واضحة لجميع أعضائه، فهو بمثابة محطّة توليد للطاقات الكامنة، ولتبني فرق العمل لمزايا عدة منها:
- لأن اليد الواحدة لا يمكن أن تصفق:
كذلك العمل الفردي لا يحقق الإنجازات المطلوبة ولا الهداف المنشودة، وإذا أمعنت النظر في الحياة وجدت أنه من المستحيل أن يحقق الإنسان نجاحاً متوازناً وحقيقيّاً من دون أن يشترك فيه مع الآخرين، فكما قيل: "مهما بلغت براعة القائد فإنه لا يستطيع أن يخوض معركة وحده بدون جنوده"، وهناك حكمة قديمة تقول: "يد واحدة لا يمكن أن تصفق"، نعم لا يمكن أبداً أن تصفق، كما أنه لا يمكن أبداً أن يتحقق نجاح فرديٌّ دون مساندة الآخرين.
- أسرع الطرق لتحقيق الأهداف:
فإذا كنت – عزيزي القاريء - تبحث عن أسرع وسيلة للوصول إلى هدفك فابحث عن آخرين يشاركونك العمل فإذا بك تدرك غاية الوصول، ولذا فإن أسرع وصفة للفشل والإحباط هو أن تتخلى عن الآخرين، وتصرّ على العمل وحدك كما قال هوارش مان: "أن نتخلى عن مساعدة الآخرين يعني أننا نهدم أنفسنا"...!
وهذا المبدأ قد قرره النبي صلى الله عليه وسلم، وربى عليه أصحابه بشكل عملي في كل صور العمل، بل حتى في هيئات جلوسهم إذا كانوا في سفر أو في طريق كان يعلمهم صلى الله عليه وسلم أن يجتمعوا ولا يفترقوا، فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، قال : كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان " . فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض ، حتى يقال : لو بسط عليهم ثوب لعمهم . - رواه أبو داود - .
- تحقيق مبدأ التعاون:
التعاون وهو الفائدة الأساسية؛ تتحقق عندما يرغب الأعضاء في العمل معاً وفي مساندة أحدهم الآخر لأنهم يتوحّدون مع الفريق، ويريدون له أن يكون ناجحاً، وبذلك تقل المنافسة الفردية، كما يريد الأعضاء ما هو أكثر من التعاون مع بعضهم من أجل مصلحة الفريق.
- سريان الدعم والثقة:
ينقل أعضاء الفريق الذين تعلّموا تقديم الدعم والثقة والمعلومات لبعضهم البعض، ويدركون مدى أهميّة تبادل المعلومات المطلوبة بينهم للعمل بطريقة أكثر فاعلية، كما تتدفق المعلومات بحرية من أسفل إلى أعلى[من الموظفين إلى الإدارة]، ومن أعلى إلى أسفل[من الإدارة إلى الموظفين]، وبذلك يكون للعمل كفريق فائدة قصوى.
- تفعيل القُوى والموارد:
يحقق العمل بروح الفريق الاستخدام الأكثر فاعلية للموارد، والمواهب، والقوى والذي يقوم به الأعضاء بحرية تامة بمشاركة باقي زملائهم بالفريق ، فعندما يوجد خلل ما في معلومة محدّدة أو مهارة خاصة لدى الأعضاء فهناك من يسد هذه الثغرة، وهكذا يكمل بعضهم بعضاً.
- المشاركة في صنع القرار:
اتخاذ القرارات والحلول في وقت واحد حيث إن كل عضو في الفريق يستطيع أن يستخلص، ويُقَيّم اختيارات أكثر مما يستطيع أن يقوم به لو كان منفرداً، فيقل بذلك الوقت المطلوب لإنجاز العمل؛ ولأخذ القرارات؛ لأن الأعضاء يتخذون قراراتهم في آن واحد، وليس بالتتابع كما يحدث غالباً، وبعد التشاور تتخذ القرارات – غالباً - بإجماع الأعضاء .
- تبادل الشعور بالمسئولية:
إنّ من يملكون المسؤولية عن القرارات والحلول يشعرون بضرورة التزامهم بتنفيذ تلك القرارات والحلول بنجاح، كما أن أعضاء الفريق هم أيضاً يشعرون أيضاً بالتزام قوي نحو إدارة الفريق وبالرغبة في عدم خذلانهم.
- تحقيق الجودة
فالمطلوب ليس أداء العمل بأي كيفية، ولكن وفق معامل الجودة، وتلك هي إحدى الميزات الهامة في نظريات العمل كفريق، حيث يوجد الاهتمام بتحقيق الجودة والدقة، لأنّ العاملين يشعرون أنهم جزء من نشاط الفريق، ويرغبون أن يظهر فريقهم بصورة جيّدة قدر الإمكان، بالإضافة إلى ذلك يطمئن أعضاء الفريق إلى حصول كل واحد منهم على حاجته من الفريق لإنجاز أفضل عمل ممكن، وذلك نتيجة تعاون الأعضاء مع بعضهم البعض.
وأخيراً عزيزي القاريء
ابدأ من الآن واعتمد أسلوب العمل في فريق بدلاً من العمل المنفرد، وسترى فارقاً كبيراً ..في الروح التي تسود الفريق أثناء العمل..في الوقت الذي يستغرقه إنجاز العمل..في جودة العمل وإتقانه..
وبإمكانك أن تفعِّل هذه القاعدة..إذا كنت معلماً في الفصل الدراسي، أو مديراً في أحد المصانع، أو ربّ أسرة..فقط طبق القاعدة وأبشر بما يسرك إن شاء الله.
0 التعليقات: