الخلوي والذنوب مقاطع الجوالات.. تضيع الأوقات وتورث الحسرات
مقاطع الجوالات.. تضيع الأوقات وتورث الحسرات
فضيلة الشيخ الجوال الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري:
هذه الخصلة عزَّت على كثير من الخلق وقصَّر عنها كثير من الناس وغفل عنها حتى الصالحون من عباد الله
كل ما لا يعنيك ولا يسرك أن تراه في صحيفتك يوم القيامة اتركه لله فإن هذا علامة على حسن إسلامك
متابعة: سليمان الصالح
هناك أمور لا يضر الإنسان الجهل بها كما أن معرفتنا بها لا تزيد حسناتنا ولا تزيد ثقافتنا، وليس كل مسلم محسن فهناك المسيء وهناك المحسن قال صلى الله عليه وسلم: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
فاحتسب ثواب ترك الغيبة فإن من يتحدث في أمور لا بد أن تقع فيها، احتسب كف الأذى عن المسلمين بعدم إحراجهم بالأسئلة الكثيرة والتطفل على خصوصياتهم.
اجعل وقتك لله تكن في عبادة دائمة ولأن سكت عن الكلام الكثير لله فأنت في عبادة وجهاد.
فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض يتحدث عن فضل ترك الكلام فيما لا يفيد بل كثيراً ما يضر، فمن حُسن إسلامه ترك ما لا يعنيه ولا يعيش حياته متطفلاً يؤذي الآخرين بتدخله في شؤونهم بل من كان هذا حاله يضر مجتمعه من حيث يدري أو لا يدري.
وصية النبي
يذكر فضيلته بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوصي أمته بوصايا من أعمال الخير وجوامع الكلم التي إذا حفظ الإنسان منها جملة حصل بها خيراً كثيراً، وانتفع منها في سائر شؤون حياته، ومن ذلك قول النبي -صل الله عليه وسلم-: “إن من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”. ومعنى هذا الحديث العظيم أن دينك إذا أردت أن يكون حسناً، وإيمانك إذا أردت أن يكون كاملاً، وديانتك إذا أردت أن تكون سالمة من كل شائبة فعليك بهذه الخصلة.
هذه الخصلة التي عزت على كثير من الخلق، وقصَّر عنها كثير من الناس، وغفل عنها حتى الصالحون من عباد الله، وهي ترك ما لا يعني، ما هو الذي لا يعني؟
ما الذي لا يعنيك فتتركه؟
يبيَّن فضيلته ذلك فيقول: هو كل شيء لا ينفعك في دينك ولا دنياك، هو كل شيء لا تعده في آخرتك، هو كل شيء لا يسرك أن تراه في صحيفتك، لذا ينبغي أن يكون إسلامك حسنًا وإيمانك كاملاً أن تترك كل شيء لا تراه في صحيفتك محسوباً لك عند ربك.
كل ما لا يعنيك من الأقوال وكل ما لا يعني من الأخبار وكل ما لا يعني من تفقد شؤون الناس، والبحث في خصائصهم وأحوالهم، وكل ما لا يعني من المبصرات والمرئيات، كل ما لا يعني من التجولات والتحولات والمسيرات والذهاب والإياب في الأرض.
كل ما لا يعنيك ولا يسرك أن تراه في صحيفتك يوم القيامة اتركه لله، فإن هذا علامة على حُسن إسلامك وعلى انصرافك لما لا يعنيك.
قال النبي -صل الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو هريرة: “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل” رواه مسلم.
يعني اعمل بكل شيء يوصلك إلى النفع في خاصة نفسك مع أولادك وأهل بيتك، مع موظفيك ومن تعمل معهم، احرص على ما ينفعك وإن أصابك شيء فلا ترجع بالملامة على القدر، وتقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فهذا من تقدير الله الذي لا محيد عنه ولا مناص عنه، ولهذا فأنت ترتاح لأنك فرغت جهدك وعملت في سائر وقتك بما ينفعك وما يعود عليك بالنفع.
فروقات بين الناس
ويؤكد د. الخضيري أن هناك فروقات بين الناس، فهذا إنسان ناجح متقدم متفوق يكسب السمعة الحسنة والمال الوفير والمكانة العالية، ولا يكسبها بنوم ولا يكسبها بعجز ولا بكسل، وإنما يكسبها بحرصه على ما ينفعه، وانشغاله عما لا يعنيه ولا ينفعه فهو منشغل عنه تارك له غير آبِه به.
وأما ذلك الرجل الذي تجده دائماً يسأل ويتفقد عن أحوال الناس وأخبار العالم ما يجري هنا وهناك مما يعنيه وما لا يعنيه ومما له فيه يد وما ليس له فيه يد، ففي الغالب أنه تجده منصرفًا عما يعنيه منشغلاً عما هو بصدده، بل بما أوجب الله عليه، فمتى رأيت نفسك منشغلاً بما لا يعنيك فاعلم أنك قد ضيعت على نفسك فرصًا.
يقول العلماء: “إن من أعظم ما ينشغل الإنسان عنه ويترك فيه ما لا يعنيه أمر الكلام، أمر اللسان الذي قال فيه ربنا -سبحانه وتعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
ق: ١٨، وقال جلَّ من قائل:( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
النساء: ١١٤. أي مما يتحدثون به(لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
النساء: ١١٤. وقال جلَّ وعلا في وصف المؤمنين:( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
المؤمنون(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4)
: ١ – ٤.
اللغو
أما اللغو فهو كل ما لا ينفع، هو كل ما لا يكون تحته خير، ابتعد عنه، تجنبه، تجنب أن تتحدث فيه، بل وتجنب أن تستمع إليه؛ لأنه يبلبل قلبك ويقلق نفسك ويغمك ويهمك.
ألا ترى نفسك أنك جئت إلى مجلس وأنت منشرح الصدر مسرور الخاطر، ثم جلست فسمعت رجلاً يقول كلمة تمنيت أنك لم تسمعها حياتك كلها كدّرت عليك مجلسك وكدّرت عليك يومك، وأصبحت مغتما لأجلها أياماً وليالي، تتمنى أن تنسى تلك الكلمة ولا تذكر منها شيئًا.
ولذلك برَّأ الله أهل الجنة من اللغو فقال جلَّ من قائل:(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31)حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا(32)وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا(33)وَكَأْسًا دِهَاقًا(34)لّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا(35)
النبأ: ٣١ – ٣٥، لا يسمعون فيها كلاماً لاغياً لا منفعة فيه ولا خير فيه، ولا يسمعون فيها كذباً ولا تكذيباً فلا أحد في الجنة يكذب، فلا تسمع خبراً كاذباً، ولا يمكن أن تجد أحداً في الجنة يكذبك فيقول لك بعدما تحكي واقعة لنفسك أو قصة مرت بك “كذبت” أو هذا غير صحيح. ووصف الله عباد الرحمن بقوله:( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)
الفرقان: ٧٢.
والله ما وسعت صدرك
فليترك المسلم ما لا يعنيك من النظر، وهذا إن كان في عصر مضى موجود فهو أكثر وجوداً في عصرنا هذا بعدما انتشرت المقاطع في أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الهواتف الذكية، فأصبح الإنسان مشغوفاً برؤية ما جرى لفلان وفلان، أنظر لهذه اللقطة، انظروا إلى هذا الرجل ما يصنع، انظروا إلى هذا الفتى ماذا يفعل، انظروا إلى هؤلاء كيف يتسابقون، وإلى هؤلاء كيف يتضاربون..
ويمضي وقت الإنسان فتقول له بعد أن رأى عشراً أو عشرين مقطعاً يا فلان ماذا استفدت؟ ماذا انتفعت؟ فيقول فقط وسعت صدري!! والله ما وسعت صدرك خدرت صدرك ستشعر كأنك شربت خمرًا ضاع بها جزء من عمرك؛ لأن ضيق الصدر ستلاحقك بعد انتهائك من تلك المقاطع جزاءً لك على ما ضيعت من عمرك.
لو أن الواحد قرأ في كتاب الله، أو سبّح الله -عزَّ وجلَّ-، أو لو أن المسلم صل على النبي -صل الله عليه وسلم-، أو لو أنه قرأ في كتاب مفيد أو في علم نافع أو استمع إلى محاضرة أو إلى برنامج ينتفع به لكان خيرًا له من هذا الذي يفعل.
لا تنظر إلى ما في أيدي الناس
ويلفت الدكتور الخضيري إلى أحوال كثير من الناس الذين يضيعون وقتهم برؤية المشاهد والمناظر التي تغمّهم، مناظر مباهج الدنيا التي لا يقدر عليها فهو ينظر إليها ويتحسر ويقول: فلان أعطي وأعطي، وأنا لم أعطَ، فلان عنده قصر كبير وفيلا فخمة وأنا ليس عندي إلا شقة مؤجرة فيتحسر قال الله -عزَّ وجلَّ- (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
طه: ١٣١، لا تمدن عينيك إلى ما وسع فيه على أقوام من الخلق؛ فإن هذا لا ينبغي لك لأنه يعود عليك بالألم، ولأنه يجعلك تزدري نعمة الله عليك، ولذلك قال النبي -صل الله عليه وسلم-: “انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم”.
ضوابط ما يعني وما لا يعني
وهنا يأتي سؤال مهم في هذا الحديث العظيم المهم، يا ترى ما هو الذي لا يعني؟ وما الضابط فيه؟ هل الشيء الذي لا أهتم أنا به أو لا أرغب فيه ينبغي لي أن أتركه؟ أقول: لا، الضابط فيما يعني وفيما لا يعني هو شرع الله؛ لأن بعض الناس يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما لا يعني، فإذا رآك تقول للناس يا فلان اتق الله، ارضِ والديك، يا فلان أصلحْ ما بينك وبين زوجتك، يا فلان أحسن إلى إخوانك، يا فلان قم إلى الصلاة..
قال يا أخي ما دخلك، لا تتدخل فيما لا يخصك، اترك ما لا يعنيك..!!
سبحان الله! هذا عين البهتان لشريعة الرحمن، هذا مما يعني؛ لأن الله أمرني أن آمر بالمعروف، وأمرني أن أنهى عن المنكر، وجعلني مسؤولاً يوم القيامة عن ذلك: “من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.
واليوم ما ضرنا إلا كوننا نشتغل جميعاً فيما لا يعنينا، ونترك ما يعنينا، ومن أعظمه وأجله بعد ذلك الله -عزَّ وجلَّ- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قليل فينا من هو مرآة لأخيه ينصحه ويخاف عليه ويحثه على الخير وينهاه عن الشر، ما بقي فينا من شر متأصل ولا ظهرت هذه المظاهر التي تفشت في مجتمعنا وأصبحت مثل السوس في هذا المجتمع الذي بُني على الديانة والأمانة وعلى الصلاح والخير، ولكن بدأت تظهر فينا مظاهر سيئة للأسف؛ بسبب أني ساكت وأنت ساكت وتواطئنا جميعاً على السكوت، ففشت وظهرت هذه المنكرات، ثم أصبح الناس بعد ذلك ينكرون على من ينكر عليهم، ويستهزئون بمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
فالضابط في ترك ما لا يعني هو شرع ربنا -سبحانه وتعالى-، ليست آرائك وليست أهوائك وليست الآراء المضلة والمذاهب الفاسدة والبدع الزائغة، بل هو شرع الله وليس غيره
0 التعليقات: